ترك الأشياء في مُنتصفها..

‏أغلب الكُتب التي قرأتُها في حياتي توقفت عند مُنتصفهم قلة تلك الكُتب التي قرأتُها إلى النهاية، منذُ صغري كوب الحليب لا أستطيع شُربه كاملاً و أُمي دائمًا تغضب لهذا السبب، لديّ الكثير من الدفاتر التي كتبتُ عليهم إلى أن وصلت إلى مُنتصفهم و من ثُم تجولتُ في المكاتب لاقتني غيرهم. إن ترك الأشياء في مُنتصفها هي موهبتي التي أتقنُها جيدًا رُغم ذلك حرصتُ دائمًا على ألا أتركُ أحدهم في مُنتصف الطريق كما فعلوا بي أغلب الذين أحببتهم.

في الثانوية و تحديدًا سنتي الأخيرة كنتُ في أول فُرصة تتاحُ لي أُعبر عن رغبتي الشديدة في ترك الدراسة للبحث عن عمل، بالطبع عائلتي كانت ترفض هذه الرغبة التي هي مُجرد رغبة مُراهقة ستتغير في اليوم التالي إلى رغبة أُخرى. لم أكُن أعيير إهتمامًا للسنوات التي درستهم لأصل إلى هذه السنة التي تعد سنة تخرج، أستغرب منيّ الآن كيف كُنت أُفكّر بترك دراستي التي بكل الأحوال كانت ستنتهي بعد أشهُر قليلة! ما قلة الصبر هذه؟

‏تذكرت تلك الفترة من حياتي بالأمس حين كنتُ أمُرّ في وقتٍ عصيب، كنتُ في غُرفة الجلوس المكان الذي أعدهُ مكانًا أستطيع أن أكون به شفافة أكثرُ من أي مكانٍ آخر و أُحِب الجلوس فيه لإضاته الخافتة جدًا رُغم إنه يفتقد للخصوصية قليلاً. أخذتُ ورقة لأكتُبَ عليها نصًّا لمدونتي المهجورة منذُ شهر و في نفس الدقيقة غيّرتُ رأييّ قررت أن أرسُم على الورقة بدلاً من أن أكتُب، في الفترة الأخيرة لا أستطيع الرسم كما في السابق إذ إن جدول المهام مُزدحم جدًا، ثُم فجأة توقفت وبحركة سريعة وضعت الورقة على الطاولة التي تبعد قليلاً عنيّ، قررت أن أستمع لأُغنية بدال الرسم و الكتابة أنهُم يتطلبون مجهودًا لا بأس به ولم أكُن حينها في وقت أستطيع فعل فيه أيّ نشاط يتطلب مني جُهدًا، كانت الأُغنية بأربع دقائق لم أصل إلى الدقيقة الثانية حين ضغطتُ على مؤشر الإيقاف لأنني شعرتُ بالإشمئزاز، نظرتُ نظرة خاطفة على قائمة الأغاني المُكررة التي استمع إليهم دائمًا قُلت بإستغراب من ذائقتي " ما هذه المهزلة ! " ومن ثُم وضعت هاتفي فوق الأوراق إذ إنهُ أخر شيء أُفكّر في إستخدامه في أوقات كهذه، ذهبت لأُحضّر القهوة حضّرتُها وآتيتُ بها إلى الغُرفة وضعتُها على الطاولة لم أرغب بشُربها تحججتُ بأن طعمها مُختلف عن العادة غير أن لون الكوب وردي غامق وأنا لا أُحب هذا اللون و الحقيقة إنها عادة ترك الأشياء في مُنتصفها لا شيء آخر..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أُمي و جميع أُمهات العالم ..

نُحب..فحسب!

العيد في قلبي!