البؤساء
أما قبل :
أعلم إنك لا تُحبين الرسائل عامّةً وخاصةً الورقية ولكن عليكِ معذرتي لبثتُ كثيرًا إلى أن أحصلَ على شيئًا ما لأُحدثكِ عنه فأنا أكتبُ الآن وأنا أشعُر إنيّ سأطير بعد قليل مُتحمس للغاية، مُنذُ وقتٍ طويل لم أكتُب هكذا بسُرعة فائقة الكلمات تتسابقُ في عقلي ويدي لا تقل عنها خوفًا من أن أنسى شيئًا ولم أذكره أعذريني مرّة أُخرى وبعد قليل سأعتذر للمرّةُ الثالثة والرابعة فأعذريني من قبل، ولكِ كُلَّ المعزّة .
أما بعد :
أذكُر حديثًا لنا مرّ عليه أعوام ومازلتُ أذكرهُ جيّدًا بكُلِّ تفاصيله كما لو إنهُ حدثَ بالأمس، في إحدى ليالي الشتاء كُنّا نجلسُ في جلسة خارجية لمقهى يقعُ على نهايةُ الشارع، كان الجو قارسُ البرودة الغيوم تمليءُ السماء، الموقد مُشتعل، الجميع يرتدي معطف من النوع الثقيل وقُبعات شتوية بألوان مُختلفة، كان المكان يطغى عليه الصخِب هُنا من يتحدث وهُناك كذلك بالرغم من ذلك كان المكان هادئًا ودافئًا يجعلُ من يأتيه يغدو مُتكاسلاً حين مُغادرته رُغم إنني أظن بأنّ لوجودكِ يدًا في ذلك فأنتِ من هؤلائك القلّة الذين ليسَ بإمكانك تفويت مجالستهم ولو كان في صحراء قاحلة في أشدّ أيام الصيف حرارة، كان رائحةُ القهوة ينتشرُ في المكان كالمِسك، كُنتِ تمسكين بكوبٍ من القهوة بيديكِ مُحاولة لتدفئتهُم قلتِ حينها بينما أنتِ تنظرين إلى السماء بتمعُن كما لو إنكِ تُريدين أن تحفظِ المنظر داخلُ عقلك، إنّ الأجواء تشبهُ كثيرًا اجواء كتاب البؤساء الذي قرأتيه من قبل وستعاودين قرأته بالأيام القادمة مرّةً أُخرى إنهُ من كُتبكِ المُفضلة يسحُركِ كثيرًا أسلوب الكاتب في سرد أحداثه وذهبتِ تتحدثين عنه قُلتِ حينها جُملة عابرة ولكنها لم تعبُرني :" لا أُفرط بفرصة العيش داخل هذا الكتاب أشعُر بأنني أنتمي لها " ثُم أردفتِ مُتسائلة بعد فترة وجيزة قضيناها في سبيل التأمُل " هَل قرأت الكتاب أنتَ ؟" أجبتُ بـ " لا " وصمت كنتُ أُحاول أن أهدّي من روعي فأنا أبدو مُضطربًا حين أُجالسك مئاتُ الكلمات تخطرُ على عقلي ولكنيّ أُفضل أن أجيب بِـ نعم أو لا، كما كنتُ أعلم تمامًا إن لا فعل يستطيع إستفزازك كما تفعلُ الأجوبة المُختصرة .
اليوم قرأتُ الكتاب حتى إنني وصلت إلى مُنتصفه في غضون جلسة واحدة لا أعلم ولكنيّ كنتُ أشعر كما لو إنني أحادثك لم أردّ الإنتهاء منه لأن الإنتهاء منه يعني إنني أنتهي منك وأنا لا أُفرط بكِ ولا بفرصة تجعلني أتحدّثُ معكِ، حين أتحدثُ معكِ فأنا لا أهتمُّ بما سأتحدث لذلك الآن أتحدّثُ لكِ عن كتاب قرأته حتى إنك لم تقولي إقراه ولكنيّ فعلت، سأُعاودُ قرأته أنا أيضًا مرّةً أُخرى لأُحادثكِ مرّةً أُخرى و أنا أكتُب رسالة أُخرى أيضًا، حين كتبتُ هذا تذكرتُ نصًّا قمتُ بكتابته قبل فترة طويلة حين طُلب منيّ مقالاً عن القراءة " الجميع يقرأ ذاتُ الكتاب ولكنّ لكلِّ منهم غايّة مُختلفة، مُختلفة جدًا حتى إنه لم يكُن يخطر على عقلك " فلا تستغربي من غايتي.. يَا غايتي .
تعليقات
إرسال تعليق